الاضراب عن الطعام :
هو وسيلة للنضال السلمي اللاعنفي , والمتمثلة في الامتناع طوعآ عن تناول الغذاء تعبيرآ عن رفض الوضع الراهن , والهادفة الى استنهاض ضمير العامة مما يجري . كما يشكل الاضراب عن الطعام أداة ضاغطة على صناع القرار . وتكمن فعالية وتأثير الاضراب عن الطعام في اشهاره وتعميمه اعلاميآ لحشد الحجم المطلوب من التضامن الشعبي والمؤسساتي لتحمل المسؤولية المناطة بهم تجاه الحدث .
وفي العصر الحديث , كان المهاتما غاندي من أبرز من استخدم وسيلة الاضراب عن الطعام في معتقله عام 1922 ابان الانتداب البريطاني لبلاده .
وفي الأمس القريب حقق بعض الاسرى الفلسطينيون المعتقلون دون تهمة ودون محاكمة بهذه الوسيلة انتصارآ , كالأسيرة هناء الشلبي والاسير المحرر خضر عدنان الذي استمر في اضرابه عن الطعام 66 يومآ على التوالي .
ماذا يحدث في جسم المضرب عن الطعام ؟
عند الامتناع قطعآ عن تناول الطعام , فان جسم الانسان لا يحصل على (بروتينات ودهون وكربوهيدرات ), لذلك يبدآ الجسم بهضم المخزون الاحتياطي من السكر( الجلوكوز) والاحماض الدهنية واجسام الكيتون .
ولكن بعض الانسجة تعمل فقط بالجلوكوز وبخاصة كريات الدم الحمراء و الخلايا العصبية , وفي هذه الحالة تتمركز أنشطة الجسم الداخلية في الحفاظ على مستوى السكر ( الجلوكوز) في الدم .
فمن أين يحصل الجسم على الجلوكوز ؟
المخزون الاحتياطي للجلوكوز يتراكم على شكل جليكوجين في الكبد والعضلات والذي يبدأ بالاضمحلال لتشكيل الجلوكوز , ولكن هذا يكفي ليوم او يومين على الأكثر !
في اليوم الثاني يبدأ الجسم في تأمين الجلوكوز من الانسجة الأخرى ابتداء من العضلات , وهذه العملية تبدأ بتحليل البروتينات الى أحماض امينية ومن ثم الى جلوكوز . ونتيجة لذلك تصاب العضلات بالضعف وقلة الحجم . وفي نهاية عملية تحلل الجلوكوز من الاحماض الامينية , ينتج عن ذلك مركبات نيتروجينية وكبريتية يتم التخلص منها على شكل اليوريا عبر البول والعرق والتنفس , الامر المصاحب لرائحة كريهة من جسم الانسان , وهذا يدل على ابتداء عملية تسمم الجسم . ولذلك يتناول الاسرى المضربون عن الطعام محلولآ من الماء والملح لكي يقيهم من تعفن الجسم ويحافظ على توازن بعض العناصر المهمة في الدم .
في مراحل الجوع , يتم افراز الاحماض الدهنية في الدم من مستودعاتها , ويتم أكسدتها في الكبد , اما في الانسجة الاخرى كالعضلات فالتأكسد يتم في الميتوكوندريا , ويتم ادخال الاحماض الدهنية الى الميتوكوندريا بواسطة ( كارنيتين ) , والكارنتين يتم الحصول عليه من الاطعمة , وفي حالة الجوع يضطر الجسم لتوفيره من الاحماض الامينية ( ليزين – ميتيونين ) . وبهذا يعود الجسم مرة أخرى الى العضلات للحصول على البروتينات والنتيجة هي ضعف كبير جدآ في العضلات فيضطر المضرب عن الطعام الى ملازمة فراشه استجابة لجسمه في توفير الطاقة و لعدم قدرته على الحركة .
في الاسبوع الاول , يشعر المضرب عن الطعام بالآلام والمغص و الدوار , وتتحفز حاسة الشم فيصبح قادرآ على شم رائحة الطعام عن بعد مئات الأمتار وكذلك يبدأ الجسم برفض الماء والملح وتبدو على الاسير الرغبة في التقيؤ .
عند الجوع لفترات طويلة , في ميتوكوندريا الكبد يتحول جزء من الاحماض الدهنية الى أجسام كيتونية ( أسيتات و أسيتون ) , وتتم أكسدتهما في الدماغ, وتستطيع الانسجة العصبية استخدامها كمصدر للطاقة , بخلاف الاحماض الدهنية التي لا تستطيع الانسجة العصبية ولا كريات الدم الحمراء من الاستفادة منها لان هذه الانسجة لا تحتوي على الميتوكوندريا لكي يتم فيها أكسدة الاحماض الدهنية .
ولكن زيادة نسبة الاسيتون تعتبر سامة للدماغ , وقد تسبب الوفاة .
تسمى زيادة نسبة الاسيتون ( كيتوأسيتوز ) , وهي الحالة الناتجة عن الانخفاض الحاد لمستوى السكر في الدم .
في هذه الحالة يصاب الاسير بحالات من الاغماء ويدخل لاحقآ في غيبوبة قد لا يفوق منها لا قدر الله .
عند الامتناع عن تناول الطعام , فان هذا يؤدي الى اختلال كافة العمليات الحيوية في جسم الانسان , ابتداءآ من الشعور بالضعف والتعب منذ الساعات الاولى , واختلال معظم العمليات الحيوية مؤخرآ ,
ولتوقف عمل الجهاز الهضمي تبدأ نسبة الحموضة بالارتفاع بالاتجاه القاعدي , مما يؤدي الى التهاب وتقرحات الجدار المعوي وتنامي انواع عديدة من المايكروبات في الجهاز الهضمي , اضافة الى ضعف جهاز المناعة لعدم تناول الغذاء أصلآ . الأمر الذي قد يؤدي الى التعفن والتسمم سريع الانتشار .
ولهذا يكثر الاسرى من تناول الماء والملح للوقاية من التعفن .
ان عدم حصول الجسم على الكميات اللازمة من البروتينات والمواد الاخرى من الاغذية يؤدي الى الاصابة بفقر الدم , وعدى عن كل ما يصاحب فقر الدم من اعراض وابرزها( الضعف العام وآلام في الرأس واهتزاز في الاطراف واختلال في ضربات القلب وقد تصل الى حالة الاغماء ,وفقد الوعي ), فان الاصابة بفقر الدم تؤثر بشكل مباشر على عمل عضلة القلب .
الاصابة بفقر الدم عادة تبدآ في نهاية الاسبوع الاول ومع بداية الاسبوع الثاني فيبدأ الشعر بالتساقط ويصبح معظم الاسرى في هذه الحالة غير قادرين على النهوض من فراشهم , فهم يخلدون للنوم لساعات طويلة قد تصل الى 18 ساعة .
في الاسبوع الثالث لا يقوى احد من المضربين على النهوض و تصبح غرف الاسرى مشابهة لغرف الانعاش في المستشفيات حيث ان معظم الاسرى المضربين عن الطعام يصبحون في حاجة ماسة الى الرعاية الطبية .
عدى عن ذلك فان اختلال العمليات الحيوية في جسم الانسان لفترة طويلة والناتجة عن عدم تناول الغذاء يؤدي الى اختلال الافرازات الهرمونية , وهذه الحالة لا تقتصر على الاضرابات النفسية والعصبية بل هي تفتح الباب على مصراعيه للاصابة بحزمة امراض مزمنة كالسكر وضغط الدم وامراض أخرى متعلقة بختلال الافرازات الهرمونية من الغدد الصماء الأمر الذي قد ينتهي بالاصابة بأورام سرطانية .
لا بد من الاشارة أن قدرات الاسرى على التحمل ومواصلة الاضراب متفاوتة لاختلاف الاعمار والقدرات الجسدية عدى عن ان كثير من الاسرى يعاني من امراض مزمنة , لهذا يتم التحضير للاضراب مسبقآ , وتبقى العزيمة والاصرار والصمود , وخبر على المذياع بخروج مسيرة تضامن او حديث لمسؤول من المسؤولين في قضيتهم السر الوحيد في صبرهم تسلحهم بالأمل في تحقيق ما اضربوا من أجله .
ولكن لا بد من التأكيد أن كل من يقدم على الاضراب عن الطعام يخوض معركة حقيقية يكون فيها عرضة للموت في أي لحظة منذ الاسبوع الأول من بدأ الاضراب , ولكنه قبل ذلك يكون قد ذاق حسرة الظلم والقهر والجوع .
اخواني واخواتي ان لكم 2000 أخ واخت يخوضون معركة الاضراب عن الطعام في سجون الاحتلال الاسرائيلي منذ السابع عشر من الشهر ابريل . فكما قال صلى الله عليه وسلم ( أنصر اخاك ظالمآ أو مظلوما )..