كل مسلم مكلف بها ولا تقتصر على علماء الأمة
كل مسلم مكلف بها ولا تقتصر على علماء الأمة
الحمد لله، له أسلمت، وبه آمنت، وعليه توكلت، والصلاة والسلام على سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد،،
يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا”(1).
من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الداعي إلى سبيل الله، وإلى صراطه المستقيم، وهو القدوة والأسوة الحسنة، أرسله الله سبحانه وتعالى لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فالدعوة ميراث النبوة، والنبوة قامت على العلم النافع، والعمل الصالح، فالعلماء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، وكل من اتبع منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو داعيةٌ إلى الله سبحانه وتعالى، لقوله تعالى: “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ”(2) .
إن الدعوة إلى الله هي حثّ النّاس على الخير والهدى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول الله تعالى: “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ “(3)، ولولا الدعوة لما انتشرت الأديان، ولما ثبتت الأفكار في عقول الناس، فالدعوة إلى الله هي المهمة الأولى للأنبياء والمرسلين، عليهم الصلاة والسلام، من لَدُن آدم، عليه الصلاة والسلام، وحتى خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، فالدعوة حياة وأساس لكل أمر تُدعى إليه الأمم والشعوب.
مسؤولية شخصية
إن الدعوة إلى الله لا تقتصر على علماء الأمة، وإن كانوا أولى الناس في القيام بها، فكل مسلم مكلّف بنشر دين الله في الأرض، وعمارتها بالالتزام بدين الله وأوامره واجتناب نواهيه، وتبليغ الدعوة لكل من يستطيع، وفي أي مكان من العالم في حدود قدراته وإمكاناته، فالمسلم يعتبر نفسه مسؤولا مسؤولية شخصية عن الدعوة إلى الله، فهو يبلغها بالطرق الشرعية الصحيحة، مع حبه الخير للناس كافة.
لقد سلك الإسلام أجمل الطرق للوصول إلى النفس البشرية، عن طريق الهداية والدعوة إلى الإيمان بالحكمة والموعظة الحسنة.
وآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، خير شاهد على ذلك، ففي القرآن الكريم: “يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ”(4)، “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ”(5).
الدعوة والتوجيه
إن الداعية الرشيد الحصيف يجب أن يكون واعياً بما يدور حوله، مطلعاً على الحضارة وثقافتها، ويجب أن يربط ذلك بفكرته الإسلامية.
ويجب أن يقوده الوعي إلى مزيد من الدراسة، لواقع الذين يريد أن يدعوهم، وأن يكون خبيراً بأسلوب الدعوة والتوجيه، فقد نصح النبي، صلى الله عليه وسلم، معاذاً وزميله، رضي الله عنهما، حين أرسلهما إلى اليمن قائلاً: (يسّرا ولا تعسّرا ، بشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا، ولا تختلفا)(6).
كما يجب عليه أن يكون على خلق كريم، فالأخلاق سلاح فعال في نجاح الدعوة، وهي في الوقت نفسه دعاية صامتة قد تغني عن الدعاية القولية، ومن أخلاق الداعية الصبر ، والإخلاص لله في السر والعلن، والاعتزاز بالإسلام ديناً وسلوكا.
قال تعالى: “وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ”(7).
وقد حملت دعوة الإسلام وسائل النجاح في بساطتها وسهولتها، ويسرها ومرونتها، فالطفل يحفظ سورة قصيرة هي سطر واحد، فيعرف أحكام العقيدة من قوله تعالى: “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ” (.
وفي سورة الفاتحة نجد أهداف الإيمان بالله، وطلب الاستقامة، والبعد عن الاعوجاج والضلال.
لقد أرسل الله رسوله محمداً، صلى الله عليه وسلم، عربي النسب واللسان، إنساني الدعوة، عالمي الدين، برسالة هي خاتمة الرسالات الربّانية والجامعة لجميع شرائع الله للناس، والتي تضمن مصالحهم على شكل أكمل من أي نظام أو تشريع، كما تضمن سعادتهم على وجه أسمى من كل سعادة يمكن أن يحققها أي نظام أو تشريع، وقد تكفّل الله سبحانه لهذه الرسالة بالحفظ والتأييد، وأنزل لها كتاباً مبيناً غير ذي عوج وهو القرآن الكريم.
أدب الخلاف
حدثنا التاريخ أن الحسن والحسين- رضي الله عنهما-، في صباهما شاهدا شيخاً لا يحسن الوضوء، ومنعهما الحياء أن ينكرا عليه، فزعما له أن بينهما خلافاً، أيهما أحسن وضوءاً من الآخر، وأنهما ارتضياه حكماً، فتوضآ أمامه، فلم يلبث الرجل أن أدرك أن وضوءهما حسن، وأنه هو الذي لا يحسن الوضوء، ثم قام فتوضأ.
وكل مسلم يخرج من حظ نفسه مكلف أن يسلك هذا الطريق.
وأنت يا أيها الأخ القارئ إذا وجدت من نفسك سعة للإنكار بمثل هذا الأسلوب فما أجمله! فإن عزّ عليك، فكلمة طيبة ونصيحة رقيقة، جديرة بأن تهدي إلى الحق وترد إلى المعروف.
إحسان الظن بالمخالف
وتذكر أخي الكريم أدب الإمام الشافعي، إذ يقول: “ما جادلت أحداً إلا تمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه دوني”، ومتى أحسنت الظن بالمخالف الذي نلتقي معه على الأصول، قربت منه نفسك، وقرب منك رأيه، فاتبعته إن بدا لك في قوله الحق، وانصرفت عنه في الحالة الثانية، وأنت تلتمس له العذر، وهذه أخلاق المسلم الحق، الذي ينصر الحق بارتقائه فوق حب الانتصار، والتغلب عليه ، فكن من هذا النوع الصادق الأمين.
أشدّاء على الكفار
وعلى الداعية أن يغرس في نفوس الأمة أمجادها، وحثها على وجوب العودة إلى الأصل إلى كتاب الله وسنة رسوله، حتى تستعيد مجدها وعزتها، فقد أخبر عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه- أن أحد الجنود من المسلمين وقع أسيراً في حوزة الرومان، وأنهم حملوه إلى إمبراطورهم الذي حاول أن يكرهه على ترك إسلامه، ورفض الأسير المسلم وثبت على عقيدته، فثار الإمبراطور الشيطان وأمر أن تفقأ عيناه ... وسمع عمر بما حدث للأسير، فكتب إلى ملك الروم يقول: “أمّا بعد فقد بلغني ما صنعت بالأسير المسلم، وإني أقسم بالله لئن لم ترسله إلىَّ من فورك، لأبعثن إليك من الجند ما يكون أولهم عندك وآخرهم عندي”، ويتراجع ملك الروم أمام هذا الموقف، ويعود الأسير المسلم إلى أهله ووطنه.
الدكتور يوسف جمعة سلامة
خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك